Al Rawiya

روابط منسيّة

المقدمة: إذا كان هناك أي يقين حول ما قد يختبره الشخص في لبنان، فإنه يتمثل في عدم اليقين. لا يهم ما إذا كنت وُلدت هنا أو انتقلت حديثًا إلى هنا، فإن ما يؤرقنا جميعًا هو الصوت المستمر الذي يخبرك بأنك مختلف/ة. هو الصوت ذاته حتى لو تغيرت صورة الشخص المتحدث. على عكس أولئك الذين تسببوا في مثل هذه المظالم الشخصية لعائلتنا وأقاربنا، كنت أنت مميزًا. تتغير الأصوات في بعض الأحيان، حتى لو لم تتغير الرسالة. “كان الجميع غرباء”، قالها بنبرة مبهجة. كان الجميع ضارًا لمجرد تواجدهم في محيطنا، حتى جيراننا. كان الفقراء يسرقون والأغنياء يتغطرسون. تحارب الآخرين الذين يشغلون نفس موقعك لأنهم منافسين، لكن تتحد معهم عندما يقترب أي شخص يبدو وكأنه غريب. ومع ذلك، يجب ألا تنسى أنها هدنة مؤقتة. حتى عندها، يجب أن تتذكر، أنك مختلف، لذلك أنت أفضل.

ع ندما كنت صغيرة، سمعت قصصًا عن شقيق يقتل شقيقه، عن رجال يكتسبون السلطة ويستخدمونها لتعزيز الكراهية والصراع، عن استخدام تلك الكراهية والصراع كغطاء لإخفاء السرقة والجبن. سمعت عن انقلاب الجيران ضد الجيران، والحدود المرسومة في بيروت، ونقاط التفتيش التي أقيمت لفرضها. عن جرائم القتل والمذابح، عن وشوشات غريبة تغذت مباشرة على النار التي أشعلوها.

ولكن بعد ذلك…سمعت أيضًا عن شجرة عيد ميلاد وحيدة أقيمت في حي مدمر خلال لحظة وقف إطلاق نار نادرة. عن الأشخاص الذين يتناولون العشاء مع أولئك الذين كانوا يطلق عليهم أعداءهم اللدودين، بعد يوم طويل من الصيام. عن الأكواب المتناغمة والأطباق الثقيلة المتنقلة من يد إلى يد، عن الشاي الذي يقدم في غرفة دافئة بينما يعصف الهواء في الخارج حاملاً صوت الصلاة الغريبة تمامًا على معظم الموجودين في الغرفة.

كان هناك دائمًا العديد من العوامل التي كان على المرء أن يأخذها في الاعتبار. الطبقة والدين والخلفية والجندر والعرق والأصل العائلي…كل ذلك كان ضروريًا لصياغة رأي حول من يحيطون بك، وإذا وجد فارق ولو بسيط، فحتماً سيجعل منا مختلفين.

————————————————————في عمر الـ 4 سنوات ————————————————————

ليس الانفجار الذي يبقى معي، ولا الفوضى أو الدخان الذي أعقبه، ولكن صوت الصفير. لا أعتقد أن هناك كلمة باللغة الإنجليزية أو العربية يمكن أن تصف بدقة صوت قنبلة يتم إسقاطها، لكن الصفير هو أقرب ما يمكن. تلك الصافرة الحادة التي استمرت بضع ثوان، بقيت معي لسنوات. أسمعها عندما أستيقظ بينما عقلي عالق في أحلامي.

أسمعها وأنا أسير في الشارع وبعض الرجال يطاردونني. أسمع ذلك في ملاحظات معلمي وأصوات السيارات التي تتسابق في الشارع.

أسمعها طوال الوقت، مع أنها لم تحدث إلا مرة واحدة.

عندما كنت طفلة، اجتاح جيش الكيان الإسرائيلي لبنان. بدأوا من الجنوب، حيث نتشارك حدودنا مع فلسطين المحتلة، ثم انتقلوا إلى الأعلى. عشنا على بعد حوالي 20 دقيقة من العاصمة – ساعة مع الأخذ بعين الاعتبار الازدحام المروري – ولكن نظراً لأن كل شيء كان صاخباً، بدت بيروت وكأنها على عتبة بابنا.

بعد سنوات، خلال سنتي الأولى في الجامعة في بيروت، حلقت طائرة فوقي أنا وصديقتي الجديدة، وكنا نحدق فيها قبل العودة إلى حديثنا.

طائرات حربية للعدو تحلق في أجزاء عدة في لبنان في 8 أكتوبر 2024

 .Eye.on.South.Lebanon. الصورة من تصوير

بالنسبة لي، كانت القنابل بعيدة. قريبة بما فيه الكفاية لتغطية آذاننا، للاختباء على أمل الخروج، ولكن ليس لدرجة الاستسلام وقبول الموت. لم تكن تقترب بما فيه الكفاية للنظر إلى الله بازدراء بدلاً من التوسل إليه.

ماذا كنت أقول؟ الله لا يهتم، ولم يهتم أبداً. فقط الصهاينة ونزواتهم القاتلة.

—————————————————————بعمر الـ 17 عاماً —————————————————————

لا أتذكر ما إذا كان الصوت هو الذي أيقظني أو الثقل في السماء. تبدو الطائرات المقاتلة شبيهة بالرعد لدرجة أنني ظننتها عاصفة لحين تذكرت أنه كان فصل الصيف. طار النعاس الذي كنت أشعر به بسبب الخوف المفاجئ والشديد الذي اعتراني. لم تتبادر أي كلمات إلى الذهن، لم يتبادر إلى الذهن شيء. كان الأمر كما لو أن جسدي بأكمله يتهاوى، كل عضو يتحول إلى اللون الرمادي ويتعفن، وينشر العدوى في جميع أنحاء جسدي.

 

شددت كل عضلة في جسدي لمنع نفسي من الاهتزاز، وفتحت عيني على وسعيهما على الرغم من رغبتي الشديدة في إغلاقهما والاختباء تحت بطانيتي. ولكن إذا كانت هذه هي لحظاتي الأخيرة، لم أكن أريد أن أقضيها في الظلام الدامس.

 

يا إلهي، ما زلت في السابعة عشرة من عمري.

 

عندما بدأت أشعر بالألم من مدى إحكام قبضتي على نفسي، سمعت أمي تتحرك في غرفتها. تحرك جسدي بسرعة، وتذكرت بأن هناك قوة أخرى تحركني، ثم وجدت أمي تخرج رأسها من النافذة.

 

“مجنونة؟ عودي إلى الداخل” خرج صوتي، أجش ومتصدع، لاهث جداً ومختنق. لم أكن لأتجرأ على التحدث إلى أمي بهذه الطريقة، لكنني كنت مصدومة من الطائرات المقاتلة وعدم اكتراثها بالتصرف الصائب.

 

“اهدئي…إذا كانوا سيقصفوننا، فلن يهم إذا كان رأسي داخل النافذة أو خارجها، سأموت في كلتا الحالتين”. اكتسبت طريقتها القاسية في الكلام من تربيتها في فترة الحرب الأهلية. لم تفشل أبدًا في تذكيري بالمصاعب التي عاشتها في كل مرة اشتكيت فيها، وأخبرتني أنه يجب أن أصمت وأكون ممتنة لأنني لم أعاني بنفس قدر معاناتها.

 

كان ذلك يزعجني دائمًا، لكن هذه المرة أخافني. كان الأسبوعان الماضيان مليئين بالصراع والتوتر على حدودنا الجنوبية، لذلك لم يكن من المستبعد أن نفترض أن جيش الكيان الصهيوني سيقرر الغزو مرة أخرى. لكن أمي كانت تتعامل مع الحدث وكأنه ذبابة تحوم فوق السقف. كانت تحدق بالطائرة في السماء، وتهز كتفيها، وتجول بعينيها في المكان قبل أن تستقر مرة أخرى في السرير. كانت لحظات مخيفة. “لا داعي للقلق يا أمي، إنهم يتوجهون إلى سوريا”. قالت أمي بلا مبالاة، كما لو أنها كانت تعلق على الطقس.

 

كان رد فعلي فوريًا: استرخت كل عضلاتي وتدفقت أنفاس الهواء من رئتي بارتياح. كنا بأمان، كانوا ذاهبين إلى سوريا. شعرت بالارتياح، ولم يكن حتى استقريت في السرير وأغمضت عيني لمحاولة العودة إلى النوم حتى تسلل ثقل إلى قلبي ومعدتي.

 

ما بكِ؟ وبخت نفسي. أنت بأمان، يمكنك الاسترخاء وأخذ قسط من النوم قبل المدرسة غدًا. أنت بأمان، ذهبوا إلى سوريا.

مبان مدمرة في درعا، سوريا. الصورة من تصوير محمود سليمان على Unsplash.

 أنا بأمان…ظللت أكرر في رأسي، ما زلت غاضبة وأرتجف. كانت هذه هي المرة الأولى التي أختبر فيها العدوان منذ حرب عام 2006، لكنني بخير لأنني لم أتعرض له مباشرة، أليس كذلك؟ لم يأتوا من أجلنا، بل جاءوا من أجل السوريين. أنا بخير الآن،  علي فقط أن أنام. أنا بأمان.

تومض في رأسي صور الجثث المتناثرة على الأرض، وأنقاض المباني المدمرة الجديدة والقديمة على حد سواء. عندما ظهرت الصور في اليوم التالي، بدت تمامًا كما تخيلتها. كان هناك مقطع فيديو لجدة تندب وتصرخ فوق الكفن الذي يغطي جسد ابنتها، وكانت تشبه جدتي. لم أكن بحاجة إلى الترجمات التي تدرجها الأخبار الأجنبية، فقد كانت تتحدث اللغة ذاتها ونفس اللهجة تقريباً. 

تذكرت موضوعاً درسناه في فصل التاريخ منذ سنوات، حول اتفاقية سايكس بيكو وكيف ظهرت الخطوط بين عشية وضحاها تقريبًا على الخرائط التي كانت فارغة سابقًا. دائمًا ما يكون هناك الكثير من الأسطر…أعتقد أن هذا هو المكان الذي بدأ فيه كل شيء. 

في تلك الليلة، لم أخلد إلى النوم، لم أستطع. كان علي دفع ضريبة راحتي في الليلة السابقة. 

————————————————————بعمر الـ 13 عاماً  —————————————————————

تطالعنا نشرة الأخبار بمشكلة جديدة، اقتحم شخص ما منزل شخص آخر وكان الجميع مسلحين لأن الأخبار ذكرت أن الجاني شخصاً سورياً.
 

هز أستاذي رأسه باشمئزاز. “دائمًا ما يكون هناك الكثير من الجرائم وكل ذلك على حسابنا”. لست متأكدة تمامًا كيف انتقلنا من الحديث عن الأفعال باللغة العربية إلى هذا الموضوع. 

 

علقت على الموضوع بالقول: “قرأت في مكان ما أن الجرائم ومعدلات الانتحار تزداد خلال فترات الركود الاقتصادي، أستاذ. مثل طرق مختلفة للبقاء على قيد الحياة “. 

 

عادة ما التزمت الصمت في الفصول الدراسية لأنني لم أكن أبداً الطفل الأكثر ذكاءً. استغرق الأمر مني وقتًا أطول بكثير من زملائي لاستيعاب المفاهيم التي كنا ندرسها. حتى أنني حصلت على لقب أغبى طفل يبلغ من العمر 13 عامًا على الإطلاق. 

 

“هل تدافعين عن الجريمة إذاً؟” سألني وجسده يميل إلى أسفل ليضع عينه في عيني ويحدق بي بنظرات حادة شعرت أنها تخترق رأسي.


“لكننا لا نعرف الظروف، لو علمنا حقيقة الوضع، فقد تتغير وجهة نظرنا بطبيعة فعلته ولن نعتبره سلوكًا إجراميًا، أليس كذلك؟”

 

ركلت صديقتي ساقي تحت الطاولة وعندما نظرت إليها من زاوية عيني، هزت رأسها وطلبت مني أن أبقي فمي مغلقًا. لم أفهم ما إذا كنت أقول شيئًا خاطئًا. كنت قد شاهدت برنامجًا تلفزيونيًا في وقت متأخر من الليل على قناة إم بي سي أكشن وواجهت الشخصية خيارًا مشابهًا. كان من المنطقي بالنسبة لي أن يتم تطبيقه بالمثل في الحياة الحقيقية. هل كان هناك شيء لم أكن أعرفه؟

 

عندما التفتت لمواجهة أستاذي، رأيت أنه أطبق فكّيه بغضب ، وفوجئت أن طقم أسنانه لم يتفتت ويتحول إلى غبار لكثرة الشد. أردت على الفور سحب ما قلته لتجنب نظرته الاتهامية، لكنني ما زلت لا أفهم. هل غاب عن بالي شيء؟ كان الجميع ينظرون بغضب نحوي تماماً مثل الأستاذ، باستثناء صديقتي وصبي في الخلف ركزا أنظارهما على الأرض.

 

“هم الخطأ في هذا البلد. ليس لدينا ماء ولا كهرباء ولا بنية تحتية -“صرخ أستاذي، حتى فقد صوابه.

 

“لكن ما ذنبهم، أليس من المفترض أن الحكومة -“

 

“أستاذ أليس من المفترض ألا نناقش السياسة في الصف؟” قاطعني صديقي أنا والأستاذ الذي كان يهم بفتح فمه استعدادًا للرد علي.

 

بدا أن تذكيرنا بالقواعد الصارمة للمدرسة يهدأ من غضب الأستاذ قليلاً فأومأ برأسه وعاد إلى السبورة واستمر في شرح درس اليوم دون تفويت خطوة. تركني مشوشة في غباره دون خلاصة لمحادثتنا. وزادت صديقتي من سوء هذا الشعور عندما تبعتني بعد انتهاء الصف محذرة بعدم التحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى.

 

كانت تقول: “إنه يسبب الكثير من المشاكل، لذلك من الأفضل ترك الأمر وشأنه”.

 

حاولت أن أتحدث مرة أخرى، وأن أجادلها وأخبرها أن كل شيء كان سخيفًا تمامًا. نحن نضطهد أولئك الذين لا علاقة لهم بأي من القضايا التي نواجهها، على عكس الحكومة وأولئك الذين في السلطة، المسؤولين عن كل مشاكلنا. ومع ذلك، فإنهم يعيشون أحرارًا وأغنياء، ويضطهدوننا جميعًا باستمرار، ونحن نكافح ونوجه أصابع الاتهام إلى أولئك الذين يكافحون إلى جانبنا. هذا سلوك مثير للاشمئزاز وبلا معنى.

 

لم نتحدث عن ذلك مرة أخرى، ولم أستطع تغيير هذه الحقيقة. بدا هذا الشعور المتزايد بالإحباط الذي سكنني وكأنه ينبت كالشوك في حلقي في كل مرة حاولت فيها فتح فمي. لطالما قالت والدتي إنه لو كنت ولدت في وقتها، ورأيت الفظائع التي رأتها، فسأفهم مدى ضآلة فهمي. لقد شهدت دخول الجيش السوري وسيطرة منظمة التحرير الفلسطينية على أجزاء من بيروت. لكنها رأت أيضًا الكتائب تزهق أرواح الأبرياء، وجيش لبنان الجنوبي يسمح للإسرائيليين بالدخول وارتكاب مذابحهم في المخيمات. يدينهم الكثير من اللبنانيين، قائلين إنهم لا يمثلوننا ومع ذلك، فإنهم لا يظهرون نفس الاعتبار للآخرين. إنهم لا يمثلوننا، لكن دين و/أو جنسية شخص واحد تمثل المجموعة بأكملها. كان بإمكاني رؤية الأشياء منفصلة، وألا أهتم إذا كانت أو لم تكن متشابكة مع تواريخ أخرى أو قضايا مختلفة. لماذا يجب أن يحدد الماضي الحاضر؟

 

كلما عبرت عن هذه الأفكار، كان الناس من حولي يهزون رؤوسهم. كانوا يقولون: “الأمر ليس بهذه البساطة”. “أنت لا تفهمين تاريخنا – كيف لك أن تفهمي؟ إنهم لا يخبرونا عنه حتى في المدرسة – لذلك كل ما تقولينه خاطئ”.

 

أطفال لاجئين فلسطينيين في مخيم نهر البارد للاجئين في شمال لبنان، يشاركون في يوم الأرض الفلسطيني كل عام. إشعال الشموع للتعبير عن الأمل والتفاني في إنارة درب العودة. الصورة من تصوير أحمد بدر على Unsplash.

—————————————————————بعمر الـ 19 عاماً —————————————————————

كنت في السيارة مع والدتي، متجهة إلى المنزل بعد أن تسببت عن غير قصد في حدوث جدال عائلي، بسبب نوبة غضب. ذكرت اطلاعي على القانون الذي يمنع النساء من نقل الجنسية إلى أطفالهن ومدى سخافته، ولكن من خلال ردود فعل الجميع، كأنني أقول إنه يجب علينا تسليم بلدنا بأكمله إلى إسرائيل.

 

عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري، أصبحت أكثر ثقة بنفسي، لكن الصبر كان فضيلة لم أتعلمها بعد. لقد كان بمثابة نفاق لم أستسغه أبداً. كانوا ثقالاً وغير مريحين، يشعرونني بالاختناق بابتساماتهم الساخرة. كانت عمتي قد دعمتني في ذلك الوقت، وهي لحظة أسترجعها باستمرار لاستجماع الشجاعة، خاصة في تلك السيارة، عندما وبختني أمي على أفعالي وأخبرتني أنني لا أفهم.

 

وكانت على حق، لم أفهم تجاربها. بصراحة، لم أكن أهتم. لا شيء منطقي. سيلعن الجميع الحكومة على إخفاقاتها، ويعترفون بها تمامًا على أنها الجانية، ثم بعد دقيقة يصبحون غاضبين من اللاجئين أو الأشخاص الذين يتبعون أديانًا مختلفة، ويحملونهم اللوم – كما لو أن اللوم لم يتم تحديده بالفعل. ما الذي جرهم إلى المحادثة أصلاً؟

 

“أعلم أن هناك تاريخًا كاملاً للبنان لا أعرفه. إنهم لا يعلمونه لنا في المدرسة، وهناك تفاصيل دقيقة لا يمكن الحصول عليها إلا خارج الكتب، لقد فهمت ذلك “. لكنني لا أفهم سبب أهميتها الآن. لا أحد سعيد، ويبدو من الواضح تمامًا من المسؤول – حتى أنك تقول ذلك بنفسك طوال الوقت”.

خط الترسيم الأخضر في بيروت، 1982. الصورة من تصوير جيمس كيس من فيلادلفيا، ميسيسيبي، الولايات المتحدة.
هزت والدتي رأسها، وشدّت فكيها وهي تحدق في الطريق إلى الأمام. “لا، أنت مخطئة، قالت: “الأمر ليس بهذه السهولة”.كان من الصعب تحديد الشعور الذي غمرني في ذلك الوقت. كان ما بين الغضب والكراهية. إنه شعور أتخيل أن الكثيرين على دراية به، لم أتخيل أبدًا أنني سأكون كذلك. لقد أصبحت صديقتي، أمي، عدوتي مدى الحياة. لأنه على الرغم من كل ما كنت أقوله، على الرغم مما كنت أؤمن به، فإن تلك الراحة اللحظية المخبأة في الليل لا تزال تطاردني.

لم تكن الإجابات التي تلقتها جيدة بما فيه الكفاية بالنسبة لها. لم أكن أتقن التحدث، لكنني حاولت على الأقل. في تلك اللحظة، تمنيت لو أنني لم أفتح فمي أبدًا وأسبب تلك المتاعب.

—————————————————————بعمر الـ 21 عاماً —————————————————————

بعد بضع سنوات، بعد سفري لمتابعة تعليمي العالي في سن 21 عامًا، أعتقد أنني فهمتها بشكل أفضل قليلاً. كنت أتعرض باستمرار للتحريض ضد الآخرين وجعلني ذلك أسرع في الدفاع، وأسهل في الوصول إلى مستوى الغضب. كنت أحاول تجاوز كل شيء، لتسهيل طريقي إلى مستقبل لا يدور حول نفس المواضيع التي أرقت عائلتي والجيل الأكبر سناً.

عندما استيقظت، في صباح أكتوبر البارد، كان هاتفي مثقل بالرسائل، لكن رسالة واحدة فقط كانت مهمة. كانت جملة واحدة أرسلها صديق يعيش في لبنان.
 
“عليك أن تستيقظي، إنهم يحررون فلسطين”.
لقطة شاشة لمنشور على X بواسطة مريم برغوثي يقول “غزة فقط خرجت من السجن”. تم نشره على Instagram.

وللمرة الأولى منذ سنوات، عندما توشحت بالكوفية التي اشتريتها في لبنان كنزوة ولكن لم أرتديها أبدًا، كان لدي أمل. عندما نظرت إلى وجوه الغرباء في الشوارع، وأفواههم مغطاة بالنقش الأسود والأبيض، كان لدي أمل. وحتى الآن، بعد الفظائع التي لا حصر لها، واحدة تلو الأخرى، لا يزال لدي أمل. أصوات الناس تصرخ في الشوارع يوما بعد يوم تعطيني الأمل. العدد المتزايد باستمرار من الاحتجاجات والهتافات والخطب والإضرابات والمطالب. إنهم جميعًا مختلفون، لكنهم متحدون في القضية، في الإيمان بأننا سنشهد تحرير فلسطين.


وبعد ذلك، سيتم تحريرنا جميعًا من هذه الأنظمة والهياكل القمعية.


كنت أقف جنبًا إلى جنب مع الغرباء والأصدقاء المطلقين، أهتف بكامل صوتي، كنا نسير تحت المطر وفي البرد، لا يمكن لأي ظروف – طبيعية أو غيرها- أن تمنعنا من دعم القضية. لم يكن هناك شيء آخر مهم في ذلك الوقت، ورحت أتساءل كيف كان من الممكن لعقود عديدة، ما يقرب من قرن كامل، أن نقاد إلى الاعتقاد بخلاف ذلك – حتى أننا عززنا ذلك الاعتقاد بأنفسنا. ولكن الآن، أصبح من الواضح، أكثر من أي وقت مضى، ما يربطنا جميعًا ببعضنا البعض.

لأنه ومع كل ما يمرون به، من أنا لأكون هادئة؟ من أنا لأعلن أن النضال لا قيمة له؟ من أنا حتى لا أقف مع إخوتي وأخواتي؟

Eden El Haddad is a writer and activist avid in making Arab voices heard. She is currently based in the Netherlands pursuing a Gender Studies Master’s with decolonization in the Levant region, Arab feminism, and stories from queer Arabs being her main focus. She has previously graduated from the American University of Beirut with a Bachelor’s in English Literature and a double minor in Creative Writing and Women and Gender Studies.

المحتوى المتعلق

المزيد من العدد السابع

عن التراث والغصّة: نولٌ وإبرة من غزة

مقدمة: كأفراد منغمسين/ات في الحفاظ على التطريز والمنسوجات التقليدية من بلاد الشام، نعتز بأولئك الذين يمارسون التقنيات التقليدية ونرغب في البقاء على اتصال معهم/ن. يمكنك