قبل ثلاث سنوات تماماً، وفي منزلٍ صغيرٍ دافئ في حي الجسر الأبيض وسط دمشق، كنتُ مع صديقة مقرّبة، نجرّب بعض الملابس الآتية للتو من مدينة حماه على بعد نحو مئتين وعشرين كيلومتراً شمالاً. بدت لي تلك السراويل والكنزات والفساتين ذات اللون الأبيض أو البيج، والمزيّنة بطبعات ذات أشكال هندسية أو طبيعية باللون الأسود والأحمر والأزرق والأخضر على الطريقة «الحموية»، بدت لي غريبة بعض الشيء، في البداية، لكنّها وبعد وقتٍ قصيرٍ باتت من أولى خياراتي عندما أريد أن أرتدي لباساً مميّزاً ويعبّر بشكلٍ أو بآخر عن المكان والثقافة اللذين أنتمي إليهما.
عرض للحرير والمنسوجات في سوق الحميدية، دمشق، سوريا. تصوير هنادي طريفة، على فليكر (CC BY 2.0).
يمكنني القول أنّ علاقتي مع هذه الملابس التي تنتجها مجموعة «ولفي» لإحياء الحرف الحموية التقليدية، كما هو حال علاقتي مع الكثير من المنتجات اليدوية السورية، تغيّرت على نحوٍ جذريّ خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد الحرب الدامية التي عصفت بسوريا. أذكر أنّني كثيراً ما كنت أمرّ في سوق الحميدية الأثري الشهير، حيث نجد كل ما يخطر في بالنا من بضائع، وأقطعه مُسرعةً وأنا أقصد مكاناً بعينه دون غيره. اليوم، باتت تستوقفني في هذا السوق، وغيره، المحالّ التي تبيع الملابس التقليدية أو أي من منتجات الحرف اليدوية، فأقضي وقتاً وأنا أسأل عمّن صنعها، ومن أين جاءت. صرت أعلم أنّ وراءها حكاية ساحرة ما، وأنبهر بكلّ تفصيل فيها، وهي بدورها صارت صلة وصل جديدة قادرة على إعادة بناء علاقتي مع المكان الذي أنتمي إليه، علاقة كانت وما زالت تشوبها الكثير من التعقيدات والتشوّهات.
وما أعلمه أيضاً، أنّني لستُ وحيدة اليوم في هذه المعادلة الجديدة.
1914 – لف ووزن الحرير في متجر حرير شرقي في سوريا. تصوير أندروود وأندروود. مكتبة الكونغرس.
بروز الهوية المحلية
منذ أكثر من عقدٍ كامل، نعيش في سوريا خسارات هائلة على كل الأصعدة، البشرية والمادية والنفسية، وتبرز من ضمنها الخسارة الثقافية كوجهٍ قاسٍ جداً للحرب. الثقافة، ربّما، بأبسط تعريف لها، هي ما نعرفه عن بعضنا وما نشترك به، ويميّزنا عن غيرنا كجماعة. لا يمكنني أن أجزم بأننا قبل الحرب، كنا نعرف الكثير فعلاً بعضنا عن بعض، في بلدٍ متنوّع للغاية كالذي نعيش فيه، وأنّ الحرب هي ما أجبرنا على خسارة هذه المعرفة والثقافة، لكنها من دون شك دفعتنا إلى طرح الكثير من الأسئلة، وإلى محاولة البحث عن إجاباتٍ مُرضية، لأنفسنا على الأقل.
ملابس ومنسوجات وإكسسوارات مطبوعة بالطباعة اليدوية من تصميم «ولفي» مستوحاة من الحرف التقليدية السورية الحموية، في معرض في ألمانيا. الصورة مقدمة من «ولفي».
مشروع «ولفي» الذي انطلق قبل نحو أربعة أعوام، هو محاولة من هذه المحاولات. بدأَت الفكرة تتبلور لدى الصحافية والكاتبة سعاد جرّوس، وهي تزور حماه بشكلٍ متكرّر وتبحث بوضع حِرف حماه التقليدية التي تشكّل جزءاً من ذاكرتها الشخصية وهي ابنة مدينة القصير في ريف حمص المجاورة. كان حال تلك الحرف مثل الطباعة بالقوالب الخشبية على القماش والخياطة العربية والصرمة وغيرها، محزناً بشدّة، كما تقول، فلم يتبقَّ سوى أشخاص محدودين يمارسونها، والتسوّق من عندهم بات شبه معدوم. الحِرف السورية على اختلافها كالنسيجية والخشبية والنحاسية والزجاجية، يعود تاريخها لمئات وأحياناً لآلاف السنين، وقد شكّلت على مرّ العقود واحدة من أهم أوجه التراث والهوية في البلاد.
1950 – نجار يصنع فسيفساء في دمشق، سوريا. تصوير ويلم فان دي بول، الأرشيف الوطني (CC0 1.0).
1950 – صبيان ينقشان نمطاً على لوحة نحاسية في دمشق، سوريا. تصوير ويلم فان دي بول، الأرشيف الوطني (CC0 1.0).
1950 – نسج البروكار في دمشق، سوريا. تصوير ويلم فان دي بول، الأرشيف الوطني (CC0 1.0).
فكّرت جرّوس بطريقة لإنعاش الطباعة الحموية وربطها بمهنٍ أخرى مثل النول اليدوي والتنجيد العربي، من خلال تصاميم مبتكرة وجديدة، وهنا كان التحدّي كما تشرح لـ«الراوية»، فهذه الحرفة كانت تقتصر على مفارش الطاولات والمساند والأسرّة، فكيف يمكن أن نشجّع الناس على الاقتناء ونقدم لهم قطعاً مزيّنة برسوم نجدها في أثاث المنازل فقط؟ وكيف يمكن مواكبة العادات الاقتصادية الجديدة في سوريا مع تركّز أولويّات الإنفاق على المأكل ثم الملبس لا أكثر؟ «لكن لا شيء مستحيل»، تقول: «تذكّرنا أن كوكو شانيل التي أحدثت ثورةً في تصميم الملابس الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، استخدمت قماش الستائر لصنع فساتين سهرة، وحوّلت لباس العمّال إلى ملابس تلائم النساء العاملات اللواتي انخرطن في إعادة الإعمار بعد الحرب».
معرض «ولفي» في قاعة زوايا بدمشق يعرض مجموعة متنوعة من الحقائب والإكسسوارات. الصورة مقدمة من «ولفي».
بذلك انطلق «ولفي» لصناعة مختلف أنواع القطع من كنزات وسراويل وشالات وأكياس تسوّق وحقائب، تحمل خصوصية جمالية وتراثية وفكرية مرتبطة بالهوية المحلّية التي بعثرتها الحرب، إضافةً إلى البعد البيئي، كونها مصنّعة بالكامل من موادّ صديقة للبيئة، ومعطّرة برائحة الصابون الذي كانت تستخدمه جدّاتنا لغسل الملابس القطنية البيضاء. وللرموز التي نجدها عليها حكاية ترويها صاحبة المشروع.
«بعد دراستي لرسوم القوالب الحموية ومحاولة تأصيلها، شعرت أنّني عثرت على كنز من حيث القيمة الحضارية، ومن واجبي ككاتبة ترجمته للسوريين وبالأخصّ الشباب منهم، من خلال منتج يعتزّون به، وهكذا اعتمدَت المبادرة التفصيلات العربية بمسمّياتها الأصيلة مثل الدامر (سترة بأكمام عريضة من دون قبّة وأزرار) والشروال والقميص، مع تزيينها برسوم ورموز تنتمي لسلسلة الحضارات التي عرفتها سوريا عموماً وحماه خصوصاً، فكانت الأولويّة تطوير لباس تقليدي بيئي بسيط ذي هوية محلية خاصّة، وفي الوقت ذاته يواكب الموضة التي باتت تجنح نحو الملابس الرياضية الصحّية والمريحة».
معرض «ولفي»، في ألمانيا يعرض منسوجات وملابس تجمع بين الفن السوري التقليدي والتصاميم المعاصرة. الصورة مقدمة من «ولفي»،.
ما لفتني كثيراً في منتجات «ولفي»، ردود أفعال الناس عليها سواء داخل سوريا أو خارجها. صديقة حموية تعيش اليوم في ألمانيا طلبت أن نصنع لها ولابنتها ملابس مطبوعة كي تحكي لها عندما تكبر عن مدينتها وتراثها، وأخرى مقيمة في دمشق أخبرتني أنّها لم تعش في حماه وأنّ مشروع «ولفي» حكى لها عن المدينة الكثير ممّا لم يُتَح لها معرفته مسبقاً. أصدقاء آخرون ما كانوا يعرفون من قبل، مثلي، عن هذه الحرفة، لكن المبهر أنّ قطعة ملابس واحدة أو كيس تسوّق صغير، كان قادراً على أن يروي لنا الحكاية كلّها.
تبوح لي سعاد أيضاً بأنّها لم تكن تتوقّع أن تلقى الفكرة القبول، لكنها مع أولى الصوَر التي نشرتها على مواقع التواصل، فوجئت بردود أفعال مشجّعة جداً، وبدعم من أصدقاء صحافيين وفنّانين تشكيليين وكتّاب ساهموا في إنضاج الفكرة وتأصيلها. وربّما الأهم، كما تقول: «لفتتني حاجة الناس إلى القصّة، فكان لأسماء الرسوم وتاريخها ومعانيها، ومنها العجمي وجوزة القطن وعصفور الكناري، وقع السحر على النفوس، وصمّمنا قوالب جديدة بالتعاون مع الفنّان السوري المُقيم في ألمانيا بطرس المعرّي، ومنها الربابة والعتابا والبيت الطيني ونبتة العاقوب، بهدف توثيق التراث اللامادي للمنطقة»، وتضيف: «لمسنا اهتماماً كبيراً بالهوية المحلية لدى المغتربين، وامتناناً من أهل حماه أنفسهم لاعتنائنا بتراث المدينة العريق، وضمن المعارض التي نشارك بها، كنت أُميّز الحمويّين عن غيرهم من دون كلام، من خلال طريقة لمسهم للمنتجات، فكانت أصابعهم تمسّد القطع كما تتحسّس وجه حبيب بعد غياب».
«نحن ننتمي إلى هذه الأرض»
لحسن الحظ، «ولفي» ليس المشروع الوحيد من نوعه، ولربّما كانت الحرب والتمزّقات الناجمة عنها دافعاً لإطلاق وحتّى لتعزيز حضور أكثر من مبادرة تسعى لإحياء جانب تراثي معيّن وتأصيله، والخروج بمنتجات ذات طابع سوري خالص وتواكب أذواق الناس الحالية ليكونوا قادرين على اقتنائها والفخر بما تمثّله وتعنيه من دون أن يشعروا وكأنّهم «خارج الزمن»، فالهدف ليس أن يعود الناس إلى عادات لم تعد تلائم حياتنا المعاصرة، إنّما أن يستثمروا في تراثهم وأن يحافظوا عليه وأن يطوّروه.
عرض أزياء عناة في دمشق، بتنظيم من هايكة فيبر، يعرض تصاميماً مستوحاة من مختلف المناطق السورية. الصورة من تصوير حسن بلال .
مثلاً، شاركتُ منذ أشهر مع مجموعة من أصدقائي في عرض أزياء لملابس مستوحاة من الثقافات السورية المختلفة، صمّمَتْها وأشرَفت على حياكتها سيّدة ألمانية تعيش في دمشق منذ نحو أربعين عاماً، وهي مؤسِّسة مشروع «عناة». عندما أخبرتني السيدة هايكة فيبر عن رغبتها بتنظيم الحدث، وبأنّ يكون العارضون والعارضات من الشباب المؤمنين بفكرة عملها، لم يكن صعباً أن نجد الكثيرين المتحمّسين للفكرة، والسعيدين بعرض «منتج سوري خالص ومبهر الجمال». كان من المهم لنا أيضاً أن نعرف حكاية كلّ قطعة، وتاريخ كلّ قطبة، وهو ما تبرعت السيدة هايكة بشرحه مع خبرتها اللامحدودة بكلّ ما له علاقة بالتطريز السوري. شخصياً، كنتُ سعيدة بعرض قميص يحمل القطب والألوان التقليدية لمحافظة درعا جنوب سوريا، وفستان مطرّز في قرى جبل الحصّ جنوب حلب وتظهر فيه قبب ملوّنة تحاكي البيئة المميّزة ببيوتها الطينية التقليدية.
فستان «Virgin Olive» من سما يمزج بين الموضة الحديثة والحرف السورية التقليدية. الصورة مقدمة من «سما للأعمال اليدوية».
يتسابق بعض أصدقائي أيضاً لعرض ونشر ما تنتجه مجموعة «سما للأعمال اليدوية»، والتي تقوم فكرتها على دمج حرف سورية تقليدية مثل التطريز والإيتامين مع تصميمات مبتكرة مستوحاة من الحياة والثقافة السورية المتنوّعتَين، لإنتاج مشغولات وملابس بأيدي نساء يحافظن على الفنون والتراث الغني ويعبّرن به عن وجودهنّ، ويحصلنَ من خلاله أيضاً على استقلالهنّ المادي. أنتجت «سما» منذ العام 2014 آلاف القطع من ملابس وإكسسوارات وديكورات منزلية، ضمن مجموعات مثل مجموعة الموزاييك (مستوحاة من الأنماط المحلية المصنوعة بالفسيفساء)، الديراني (تشير إلى العنب الديراني الذي يُزرع في داريا، وهي بلدة في ريف دمشق)، مجموعة التدمري (نسبةً إلى مدينة تدمر)، ومجموعة الإدلبي (تسلط الضوء على إنتاج الزيتون في المدينة).
حرفي سوري في حما يقوم بطباعة الأقمشة بالطريقة التقليدية لصالح منظمة ويلفي، وذلك في إطار جهود المنظمة للحفاظ على التراث الثقافي خلال النزاع. الفيديو مقدم من ولفي.
ثمّة أمثلة عديدة أخرى تستوحي من التراث، مثل الدفاتر التي تعتمد أغلفة قماشية سورية من الأغباني والصاية، والمصابيح التي تستخدم تصميمات تقليدية، والأوشحة المطرّزة يدوياً بقطبٍ وأشكال لها معانٍ مغرقة في الأصالة. أعتقد أنّ الإضاءة على المكوّنات الثقافية والتمسّك بها يبرز أكثر أثناء النزاعات، وهو ربّما ما نراه لدى الفلسطينيين سواء في الداخل المحتل أو في بلدان الشتات. ففي دمشق مثلاً تعرّفتُ إلى أكثر من سيّدة تواصل حياكة ملابس وإكسسوارات تحمل القطب والرسوم الفلسطينية، كجزء من النضال والحفاظ على التراث في وجه الهيمنة ومحاولات الطمس والتغييب من قبل الكيان الإسرائيلي والتشرّد بعد النزوح والاستقرار في سوريا.
ترى سعاد أيضاً أنّ «الإنسان في مناطق النزاع يتعرّض لرضوض نفسية قاسية تغرقه في العبثية واللاجدوى، وتصبح لديه حاجة ماسّة لاستنهاض عناصر القوة داخله، وفي حالة العبث الذي يطغى على العالم اليوم صارت لدى الأجيال الشابة حاجة ماسّة للمعنى. مبادرة «ولفي» حاولت البحث عن هذه العناصر في مخزوننا الثقافي، وإعادة الاعتبار للمكوّنات التراثية التي أُهملت ومنها اللباس، بهدف البقاء قيد الانتماء إلى هذه الأرض».
ثقافة محلية «على خط المواجهة»
الحديث عن النظرة النمطية تجاه ثقافتنا المحلية في المنطقة طويل ومعقّد، وليس بالجديد أيضاً. أفكّر الآن في كل التراكمات التي جعلتني في مرحلةٍ من حياتي، كما كثر غيري، ننظر إلى منتجاتنا وثقافتنا بـ«استخفاف»، إلى حدٍّ ما، على حساب نظرة منبهرة بكل ما هو قادم من «العالم الآخر» الذي صار يمثّل بالنسبة لنا الصورةَ المثالية عن الحداثة والتطوّر، سواء كنا نتحدّث عن الملابس أو تسريحات الشعر أو اللغة المحكية وكل ما هو متعلّق بنمط الحياة اليومي. بالتأكيد، للإعلام والمناهج الدراسية وغيرها من العوامل، أدوار كبيرة في جعلنا نتشرّب هذه الهيمنة الثقافية والاجتماعية عقداً وراء آخر، وننظر لأنفسنا على أننا «أقل من المعايير».
لكن ما هو مؤكّد أيضاً، أنّ كل الأحداث التي عاشتها منطقتنا في العقدَين الأخيرَين، دفعت بنا وشجّعتنا على تحدّي هذه السرديات.
بيير حماتي يرتدي قميصاً من تصميم «ولفي» بنقوش زهرية زرقاء وخط عربي. الصورة مقدمة من «ولفي».
تحدثّت مع أكثر من شاب وفتاة ممّن صار لديهم في السنوات الأخيرة، بشكل مشابه، نظرةً وتقديراً مختلفَين نحو ثقافتنا المحلية. أخبرني بيير حاماتي، وهو فنّان سوري عشريني، أنّ الملابس التي تحمل طابعاً تراثياً باتت واحدة من خياراته الأساسية، فهو يرى فيها جماليةً وتميّزاً «من دون أن يكون الأمر بحاجة للشرح، تماماً كما نشعر بقيمة وجمالية أي عمل فني من دون أن نفهم معناه بالضرورة». ويضيف: «مع معرفتي التامّة بفرادة تراثنا وأهمية الحفاظ عليه، فتلقائياً وبمجرد ارتدائي لقطع تحمل هذه الصفات أشعر أنّني مميز، وأشجّع من حولي على اقتنائها، فحالة التفرّد والخصوصية التي تعطينا إياها جميلة جدّاً».
أمّا بالنسبة إلى غالية، وهي مهندسة سورية ثلاثينية تعيش في فرنسا، فالأمر يتجاوز فكرة «ارتداء منتج سوري خالص» وهو ما باتت تحبّه مع اقتنائها لأكثر من قطعة ملابس تقليدية منتجة حديثاً في سوريا؛ ويحيل إلى «إحساس بالقوة والارتباط بأشكال وألوان ومعانٍ متجذّرة فينا منذ طفولتنا من دون أن ندركها تماماً بشكلٍ واعٍ، وبالتالي القدرة على أن نقول: نحن من هذا المكان، لدينا ما نفخر به، وهو ليس أقلّ من أي هوية محلية أخرى في أي بقعة من العالم».
تعتقد غالية أنّ اهتمامها مؤخّراً بهذا الجانب، عدا عن الأسئلة الكثيرة التي طرحَتها الصراعات التي تعيشها المنطقة برمّتها في ذهنها، يعود للطرائق المبتكرة التي باتت الكثير من المبادرات المحلية السورية قادرة من خلالها على التصميم والإنتاج والتسويق لنفسها داخل البلاد وخارجها.
الحديث عن هذه «المواجهة» إن صحّت لي تسميتها كذلك، ليس على الدوام سهلاً، فالواقع الصعب الذي انطلقت منه هذه المشاريع يحدّ من قدرتها على الاستمرار، بسبب عوامل عدّة على رأسها كوننا نعيش في منطقة نزاع ما زال مستقبلها مجهولاً، ونعاني من عوائق متعلّقة بارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبات التسويق لا سيّما الخارجي، وتالياً محدودية الإنتاج والعائد المادي مقابل ارتفاع أسعار المنتج النهائي. والأثر الذي تسعى هذه المبادرات إلى تركه علينا وعلى مكوّنات من هويتنا وانتمائنا، لن يكون مستداماً وملموساً إلّا بدعمٍ حقيقي لها. لكنّنا نعلم أن البذرة قد زُرِعت، وما علينا سوى أن نسقيها، ولو كان ببطءٍ وتأنٍّ.

زينة شهلا
زينة صحفية سورية مقيمة في دمشق. يركز عملها على المواضيع البيئية والثقافية والاجتماعية، وهي تعمل بشكل خاص على توثيق التراث اللامادي السوري.. زينة هي أيضًا مبتكرة بودكاست "تراث مسموع"، الذي يركز على الثقافة والتراث السوري.









